الأربعاء، 28 سبتمبر 2011


عبد الكريم الخيواني: "رئيس الجمهورية مسؤول ان اصابني اي مكروه "



 
اعتاد عبد الكريم الخيواني مواجهة الأخطار منذ بداية عمله الصحفي مطلع التسعينيات.
فهو يعيش حالة حصار منذ أربع سنوات داخل السجن وخارجه، مواجهاً أحكاماً رهيبة منذ آيار/يوليو2007. السبب: اتهامه من قبل السلطات اليمنية بتورطه في خلية إرهابية.
تجري اليوم محاكمة عبد الكريم الخيواني كإرهابي في المحكمة الجزائية المتخصصة (محكمة أمن الدولة) وهو يخوض الآن معركة قانونية غير مسبوقة لدفع تهمة الإرهاب عنه.
 
بشير السيّد- مراسل منصات- اليمن
 
ٌYemen, Abdul-kareem Alkhiwani
عبد الكريم الخيواني: بعد اختطافه، تعذيبه و سجنه. (ح.م.)
صباح 20 حزيران/يونيو 2007 اقتحمت مجموعة أمنية منزل الصحافي عبد الكريم الخيواني وسط العاصمة اليمنية صنعاء.
الكل كان نائماً، خصوصاً خمسة اطفال قرروا ان يفترشوا صدر ابيهم سريراً دافئاً.
وفجأة لم يشعر الخيواني الا بأيدي تنهال عليه ضرباً، قبل أن يسحب بملابس نومه على مرأى من زوجته وأطفاله المذعورين.
ساعتذاك كانت أسرة الخيواني المروعة عاجزة عن استيعاب المشهد.
لم يكن باستطاعتها التعرف على هوية الخاطفين إذ كانت المجموعة الأمنية ترتدي زياً مدنياً.
وحين طرقوا منزل الخيواني زعموا أنهم عمال الكهرباء .
بعد نصف ساعة على العملية، رنَّ جرس هاتف المنزل.
كان الخيواني يطمئن عائلته.
أخبرهم أنه موجود في مقر النيابة الجزائية (نيابة أمن الدولة).
وطلب من زوجته أن تبعث له بملابسه وأدويته الخاصة بالقلب(أجرى عملية قسطرة للقلب قبل أشهر من الحادثة).
كانت الكدمات والخدوش ظاهرة في كتفيه وذراعيه، فضلاً عن بقع حمراء في مواضع أخرى من جسده.

في نيابة أمن الدولة وجهت للخيواني تهمة "التخطيط لقلب نظام الحكم" وتقرر حبسه احتياطياً.
وبعد ثلاثة أيام، بدا واضحاً الاضطراب في سوغ التهم؛
لقد وجهت له تهمة التورط بنشاط إرهابي، واحتل اسمه الرقم ((10 ضمن قائمة متهمين في خلية إرهابية، اطلق عليها تسمية "خلية صنعاء الثانية".
وقد اتهمت النيابة هذه الخلية بـ"التخطيط لأعمال إجرامية وتفجير منشاءات عسكرية وحكومية ، وتصفية قادة عسكريين بالإضافة إلى تسميم  مياه الشرب في المعسكرات".

عندما اقتلعت المجموعة الأمنية الخيواني من بين أطفاله، لم تنس مصادرة أوراقه الشخصية وجهاز الكمبيوتر الخاص به(محمول) وجهازي موبايل وكاميرا تصوير صحفية.
وكما اعتاد الخيواني على مواجهة الأخطار أيضاً، اعتاد قيام الأجهزة الأمنية مصادرة أشيائه كلما اعتقلته.
غير أن هذه المرة جرى التحقيق معه وتقديمه للمحاكمة بتهمة استندت على أشيائه المصادرة: مسودة مقال، قصاصات صحفية، وقرص كمبيوتر يحتوي على صور صحفية التقطت من ميدان المعركة الدائرة في محافظة صعدة(250 كم شمال صنعاء) بين قوات الجيش وجماعة دينية(الحوثيين).

أمضى الخيواني 31 يوماً في السجن وأفرج عنه بضمانة تجارية نظراً لحالته الصحية.
لكن محاكمته استمرت حتى مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الفائت.
لقد طلبت هيئة الدفاع عن الخيواني وقف السير في إجراءات محاكمته ورفع أوراق الإتهام القائم تجاهه إلى الدائرة الدستورية في المحكمة العليا، وقدمت دفعاً يطعن في دستورية إنشاء نيابة أمن الدولة؛ إذ إن "قرار إنشائها صادر من جهة غير مختصة دستورياً" (رئيس الجمهورية).

مذَّاك. جلسات المحكمة معطلة، وتنتظر الفصل في دفع محامي الخيواني.
غير أن السلطات اليمنية لم تستطيع إقناع الرأي العام المحلي والدولي بشرعية المحاكمة التي ينظر لها بأنها جولة جديدة من حرب الحكومة اليمنية ضد صحفي " محكوم أبداً بالاستسلام
لغواية الحرية".

عبد الكريم الخيواني المعارض

لم يدرس عبد الكريم الخيواني، البالغ من العمر 42عاما، الفنون الصحفية.
بل درس الاقتصاد والعلوم السياسية. لكن الصحافة هي المهنة الوحيدة التي يجيدها.
عرف بكتاباته الجريئة في نقد النظام اليمني.
وحين تولى رئاسة تحرير صحيفة "الشورى" المعارضة مطلع 2004، فتح ملفات صحفية شديدة الحساسية بالنسبة للحكومة اليمنية، أشهرها ملف توريث الحكم، الذي كشف عن ترتيبات مستقبلية لتوريث الحكم لنجل الرئيس اليمني، وملف الفساد في القطاع النفطي والاقتصادي، الذي انصب على كشف فساد كبار المسؤوليين، واستغلال أغلبهم لمناصبهم في ممارسة التجارة، فضلاً عن تسليط الضوء على أرصدة الرئيس اليمني في البنوك العالمية، والاستفسار عن مصدرها.
علاوة على قيام الخيواني بتغطية الانتهاكات الواسعة في صعدة، والتي ترتكبها السلطات اليمنية ضد السكان شمال اليمن، وبخاصة أتباع الزعيم المتمرد حسين الحوثي.

الخواني والسلطات

العلاقة بين الخيواني والسلطات اليمنية، لم تعد تندرج في سياق مواجهة بين سلطة متوترة وصاحب رأي معارض، حسب اعتقاد كثيرين داخل الوسط الإعلامي والسياسي اليمني.
وفي سياق المواجهة المستمرة منذ أربعة أعوام، طورت السلطات اليمنية آليات ملاحقة الخيواني ومضايقته.
وبعد أن كان المطلوب أولاً محاصرة الصحيفة التي يرأسها، وترويع طاقمها من خلال ملاحقات قضائية، بدا لاحقاً وكأن المطلوب رأس الخيواني، وليس آي شيء آخر.

حوكم الخيواني بتهم عدة، بينها الإساءة لشخص رئيس الجمهورية، وإثارة النعرات المناطقية، والإضرار بالأمن القومي. وصدر في حقه حكم أبتدائي بالسجن لمدة سنة. واعتمدت السلطات عوائق فنية تمنع فرصته في استئناف الحكم لدى محكمة الاستئناف في العاصمة(محكمة الدرجة الثانية).
كانت السلطات قد نفذت الحكم الابتدائي فور صدوره، وقد أمضى الخيواني 7 أشهر في السجن، تعرض خلالها لشتى صنوف المضايقات، أخطرها حين أقدم أحد المحكومين في السجن بمحاولة قتله داخل السجن، عبر استخدام شفرة حادة.

كانت قضية الخيواني واحدة من أسباب الانتقادات المحلية والدولية الشديدة للحكومة اليمنية.
وخلال فترة اعتقاله، خاض المجتمع المدني والحقوقي في اليمن معركة شرسة للإفراج عنه.
كما وتعرضت الحكومة اليمنية لضغوط شتى من المجتمع الدولي لإنهاء محنة السجن.
وقد صدر قرار رئاسي بالعفو عنه بعد 7 أشهر.
خرج الخيواني من السجن وعاودت صحيفة "الشورى" الصدور.

صحيفة "الشورى" والطاقم الانقلابي

ولكن السلطات لم تتحمل نهج الصحيفة، وكانت جولة ثانية من حرب صعدة اندلعت في 2005.
كانت السلطات تفعل أدوات أخرى لإخراس الخيواني.
فدبرت انقلاباً كاريكاتورياً داخل الحزب الذي يصدر"الشورى": إتحاد القوى الشعبية.
قامت مجموعة من المسلحين (بعضهم يعملون حراساً لمقر الحزب)، بالسيطرة على المقر، وأعلنوا أنفسهم قيادة إنقاذ.
ثم لاحقاً قاموا بالسيطرة على مقر الصحيفة وسط تواطؤ من الأجهزة الأمنية ووزارة الإعلام.

تابعت صحيفة الشورى الصدور بإدارة جديدة نصبتها المجموعة الانقلابية.
مذَّاك، بات رئيس تحرير الشورى عاطلاً. وكذالك طاقم الصحيفة التحريري، وأخفقت كافة المحاولات السياسية والقانونية لإنهاء الحالة الانقلابية، بل إن الانقلابين وجدوا الدعم القانوني والمالي من السلطة، ومراكز قوى أمنية وعسكرية تعادي الحزب والصحيفة في بيئة لا تحتكم لأية معايير منطقية أو قانونية.
كانت السلطات اليمنية تواصل تضييق الخناق على الخيواني غير أنه لم يستسلم؛ دشن موقع "الشورى نت" الإخباري وواصل طرق الملفات الصحفية الشائكة.
لكن الموقع تعرض للحجب مرات عدة واستمرت الملاحقات القضائية للخيواني وهيئة التحرير، وبعد أن اندلعت الجولة الثالثة من الحرب (في صعدة) التي ما تزال مستمرة، حُجب الموقع نهائياً في كانون الثاني/يناير2007.

في حرب "صعدة " الأخيرة  فرضت السلطة حصاراً إعلامياً من خلال الرقابة الشديدة واعتقال بعض الناشطين الحقوقين والمحسوبين بأنهم متعاطفون مع الحوثيين.
وخلالها تسربت إلى وسائل اللإعلام محلية وخارجية صورا وأخبارا عن مجريات الحرب في صعدة.
وكانت السلطات إنتزعت اعترافات من بعض المعتقلين بأنهم سلموا الخيواني صوراً تم التقاطها من ميدان المعركة.
عقبها قامت الأجهزة الأمنية باقتحام منزله في 20حزيران/يونيو الفائت.

في السجن

تجربة السجن( الأولى والثانية)، مكنت الصحفي المغضوب عليه من الولوج إلى عالم مختلف من الانتهاكات، ليس لها صلة بما يجري في صعدة أو في أي مكان آخر خارج السجن.
في السجن المركزي بالعاصمة صنعاء اكتشف الخيواني انتهاكات واسعة ضد السجناء واستمع لقصص سجناء يمضون سنوات عديدة في السجن، دون أحكام قضائية، وآخرين انتهت مدة سجنهم ، لكنه ظلوا في العتمة لأن مراكز قوى في الدولة والجيش تمنع الإفراج عنهم.
وتأكد من وجود عشرات الأحداث(بينهم صبية) داخل السجن يتعرضون لأنواع عديدة من الأخطار جراء وجودهم وسط مجرمين خطرين.
عن كل ذلك كتب الخيواني تحقيقاً صحفياً مثيراً عن العالم الجديد الذي اكتشفه ونشره في صحيفة "النداء" الأهلية تحت عنون:"ماقبل الدولة..وطن وراء القضبان..القضاء إذ يستنزف أرواح وعقول وجيوب المسجونين".

بعد أيام من نشر التحقيق اعترض ستة مسلحين الخيواني، الذي كان ينتظر "تاكسي" ظهيرة 27آب/أغسطس 2007، عقب مغادرته مقر صحيفة "النداء" الأهلية وسط العاصمة.
وبحركة احترافية أمام صحفيين وأصحاب محلات تجارية وعدد من الموطنين، حملوا الخيواني وألقوه في سيارة لوحتها مغطاة بمادة سوداء وانطلقوا مسرعيين .
وفي منطقة نايئة(80كم شرق صنعاء) عصبوا عينيه بقطعة قماشية.
تعاقب الخاطفون على توجيه اللكمات على وجهه ورأسه وصدره، وسألوه عن معنى "ما قبل الدولة وطن وراء القضبان...الخ".
ثم سأله أحدهم عن اليد التي يكتب بها، أشارالخيواني إلى يده اليسر،اقترب السائل ووضع مقصاً حديدياً على أصابع يده اليسرى ، لكن أحد المسلحين منعه من بترها قائلاً :" الأوامر واضحة. لانريد شياءً ظاهراً ".
اغتاظ صاحب المقص الحديدي من تذكيرة بالأوامر، غير أن نزعة قاطع أعضاء البشر لم تدعه يعود فارغ اليدين؛ أمسك سبابة اليد اليسرى للخيواني وعصرها حتى كُسرت.
قبل تركهم الخيواني طلبوا منه أن يقسم على عدم الكتابة على الشرفاء والمناضلين.
كذلك أقسم لهم.
ثم طلبوا منه أن يقسم على أشياء غير واضحة "عدم الكتابة على الأخرين!" (لم يسموهم كما ولم يوصفوهم) .
"من هم الآخرون؟ "سأل الخيواني خاطفيه.
زجروه: "ما عليك إلا أن تقسم " فأقسم ألا يكتب عن الآخرين!.
ثم هددوه بالقتل وأفراد أسرته إن عاود الكتابة.

بعد ساعات من الاعتداء كان الخيواني يتلقى العلاج في مستشفى أهلي في العاصمة اليمنية ويقوم مندوب البحث الجنائي بوزارة الداخلية اليمنية تدوين أفادات الخيواني وتثبيت آثار العدوان الظاهر في جسدة وأصابعه أمام أعضاء في البرلمان اليمني وقيادات في نقابة الصحفيين والمجتمع المدني، جاءوا ليطمئنوا على صحفي ظل محل غضب الرئيس اليمني منذ بدا عملة الصحفي.

صباح اليوم الثاني للحادثة نشرت الصحف الحكومية تكذيب منسوب لمصدر أمني للواقعة الاختطاف وقال : "هذه تمثيلية قام الخيواني بها لكسب تعاطف الرأي العام معه في قضيته المنظورة أمام محكمة أمن الدولة".
وكان الخيواني كشف عقب إختطافة أنه تعرف على أحد الخاطفين وبإنه كان ضمن المجموعة الأمنية التي اقتحمت منزله في 20 حزيران/يونيو.

وقال الخيواني لـ"منصات":" أنا أدفع ضريبة تصديقي للسلطة ومزاعمها بنهج النظام الديمقراطي".
واضاف: "بعد حادثة اقتحام منزلي وترويع أسرتي واختطافي مرة ثانية من أمام مقر صحيفة "النداء" ، يغمرني شعور بأن السلطات قررت إباحتي وإهدار دمي".

قبل أسابيع توجه الخيواني إلى مقر منظمة العفو الدوالية في صنعاء وسجل لديهم وصيته الأخيرة: "حملت رئيس الجمهورية المسؤولية المباشرة إزاء أي مكروه قد أتعرض له أو أحد أفراد أسرتي".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق