الثلاثاء، 20 سبتمبر 2011













الحركة الحوثية اسم ينسب إلى لقب مؤسسها السيد حسين نجل السيد بدر الدين الحوثي أحد كبار علماء المذهب الزيدي الذي يقطن بمحافظة صعدة في أقصى شمال اليمن.
نشأة الحركة الحوثية
لم تتأسس الحركة الحوثية في أول أمرها حركة سياسية منظمة لها أهداف ونظم ولوائح كسواها من الحركات السياسية, إنما بدأ إطارها الفكري يتشكل من خلال ملازم "منشورات" وتسجيلات للسيد حسين الحوثي على مجموعة من الأفكار الإسلامية التي تستهدف التجديد الديني في إطار المذهب الزيدي.

وتبلورت الحركة لتأخذ شكلها الخاص أثناء الحرب، حتى إن الاسم "الحركة الحوثية" لم يطلق عليها إلا أثناء الحرب، وأطلقته السلطات بعد اندلاع المواجهات بين الطرفين، فهي لم تتأسس حركة منجزة لها أهداف وطموحات سياسية، وإلا لكانت اختارت لنفسها اسما مختلفا عن الذي اشتهرت به.

فالحوثية تأسست كحالة فكرية ودينية منذ العام 2000 على يد السيد حسين الحوثي، وكان يطلق على مؤيديها وصف "جماعة الشعار" نسبة إلى تبنيهم "الشعار" أداة ووسيلة رئيسة لنشر أفكارهم ورؤاهم الفكرية والدينية، مع غياب تام لأي رؤية أو برنامج سياسي محدد.
ولكن الطبيعة الحركية للجماعة وظروف المواجهة مع النظام أحدثت نقلة نوعية في طبيعة الحركة، وتحديدا منذ العام 2005، حيث اتسعت مساحة انتشارها، وازدادت فاعليتها، وأخذت تفرض نفسها فاعلا غير رسمي باليمن, مستفيدة من استمرار الحروب الخمس التي شنتها السلطة ضدها, حتى إنها دخلت في مواجهة مباشرة مع المملكة العربية السعودية، وذلك بعد خوضها خمس حروب في مواجهة السلطات السعودية وتقول الحركة إن كل حروبها كانت دفاعا عن النفس.

أهداف الزيدية
الحوثية وبقية الفاعلين غير الرسميين
موقف السلطة من الحوثية
حدود الفعل الحوثي غير الرسمي
الحرب مع السلطة
مستقبل الحوثية
خاتمة

كان السيد حسين الحوثي حريصا على تقديم نفسه شخصية إسلامية مجددة في المذهب الزيدي، وأصدر لهذه الغاية مجموعة من الملازم تحتوي على أفكار ومراجعات فقهيه دينية تنطلق من المذهب الزيدي بشكل أساسي مع استيعاب آراء المذاهب الأخرى والواقع المعاصر, وقدمها في قالب عصري بعيد عن الطابع التقليدي متجاوزا الواقع المحلي السياسي وتفاصيله، وضمّن أفكاره بعدا قوميا وإسلاميا يقول أتباعه إنه لا يتصادم مع السياسة الرسمية لليمن.

والحوثي  كما يصفه مؤيدوه يرفض العنف حتى ضد الأطراف التي يهتف ضدها ويعتمد على التوعية والتدريس, ولا يريد المواجهة مع النظام الحاكم وهدفه تحصين البلد من الغزو الأمريكي الإسرائيلي، كما يقول، وليس هناك -برأيه- من شيء جامع كالقضية الفلسطينية ورفض الهيمنة الأمريكية, وعليه فقد تبنى الحوثي شعار "الله أكبر, الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل, النصر للإسلام"، وبدأ ترديد هذا الشعار في بعض المساجد عقب الصلاة, حتى وصل إلى مسجد الهادي بعاصمة المحافظة صعدة في العام 2001, وكانت الملازم والتدريس بالمراكز التي يشرف عليها وسيلته للوصول إلى الناس ومخاطبتهم، حتى كان يلتف الآلاف منهم بنهاية الفصل الدراسي حوله في مران فيما يشبه تظاهره سنوية، وكانوا يأتون من صعدة والمناطق المجاورة، ما لفت نظر السلطة إلى تعاظم شعبيته ودوره.

لم تكن السلطات اليمنية في البداية منزعجة من الشعار, بل كان الانزعاج لدى علماء الزيدية بصعدة الذين لم يجدوا من المناسب ترديد هذا الشعار عقب الصلاة في بيوت الله, ولكن كانت ملازم الحوثي تنتشر بسرعة وتستقطب الكثير من الشباب في مناطق تواجد المذهب الزيدي خاصة, وامتدت الهتافات بالشعار للجامع الكبير بصنعاء, وأصبح أنصار الجماعة هدفا للاعتقال عقب كل صلاة جمعة، ما جعلهم يعتقدون بأهمية ما يقومون به، وأن السلطات اليمنية تعتقلهم بضغط أمريكي, بل كان مرددو الشعار، رغم تكرار عمليات الاعتقال أسبوعيا ضدهم، واثقين من أن السلطة لا تستهدفهم وأنها موافقة ضمنا على هذا "الشعار".



التشابه الأهم بين الحوثية والحراك الجنوبي أنهما جاءا معبرين عن معاناة ومطالب الشرائح التي يمثلونها, وذلك بغض النظر عن اختلاف هذه المطالب. كما أن تكوين الطرفين جاء من خارج إطار من يملكون "زمام الفعل ورد الفعل"، أي السلطة والمعارضة
تختلف الحركة الحوثية عموما عن غيرها من القوى الفاعلة غير الرسمية باليمن، لكنها قد تتشابه معها في جوانب أخرى، وتحديدا القبيلة والحراك السلمي الجنوبي.

ولعل التشابه الأهم بين الحوثية والحراك الجنوبي أنهما جاءا معبرين عن معاناة ومطالب الشرائح التي يمثلونها, وذلك بغض النظر عن اختلاف هذه المطالب. كما أن تكوين الطرفين جاء من خارج إطار من يملكون "زمام الفعل ورد الفعل"، أي السلطة والمعارضة, إضافة إلى تساويهما كهدف لقمع السلطات نتيجة للسياسة الرسمية الخاطئة تجاههما, مع الإشارة إلى أنهما وجدا عند تأسيسهما حاضنة جغرافية لكل منهما. ولكن يتميز الحراك بأنه يطرح قضية سياسية ويذكر بنموذج كان لوقت قريب يشكل دولة معترفا بها.

أما التكتلات القبلية فبقدر ما تختلف مع الحوثية بالنشأة ثمة مشترك اجتماعي يجمعها بالحوثية، وهو الانتماء للأعراف والتقاليد القبلية، لكن تتميز الحوثية عن القبيلة بامتلاكها لرؤية دينية وفكرية محددة وبسعيها لتحقيق أهداف تتجاوز الاهتمامات المحلية والقبلية, كالشعار الذي يصر الحوثيون على ترديده، كما أن الفرد في الحركة الحوثية ليس خاضعا لوصاية الشيخ كما في القبيلة.
شنت السلطة منذ بداية الحرب الأولى في منتصف العام 2004 حربا إعلامية موازية ضد الحوثي، واتهمته تارة بادعاء النبوة وتارة أخرى بالمهدوية وصولا إلى الإمامة, وقالت بانتمائه للمذهب الشيعي الاثني عشري ووصمته بالعمالة لإيران, وذلك للدلالة على خروجه عن النظام قانونيا ودينيا بل وأخلاقيا.

ولكن فقدت معظم هذه الاتهامات جدواها، لأنها جاءت في سياق الحروب التي شنت ضد جماعة الحوثي بصعدة, ورأى فيها الكثير من المحللين بغض النظر عن فحواها مجرد عمل دعائي لتبرر السلطة حروبها شعبيا وسياسيا ضد هذه الجماعة.

وتقوم الحركة الحوثية بالفعل على فكرة الإمامة كمرجعية لفكرها السياسي, باعتبار أن الإمامة هي من أصول المذهب الزيدي الخمسة، وتفصيل ذلك أن الإمامة عند الزيدية محصورة بالبطنين (الحسن والحسين) من أولاد علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. غير أن الزيدية ليست بدعا في هذا الأمر، ولا يبرر ذلك شن الحروب ضدها، وإلا فإن هناك نصا في كتب السنة يعين الخلافة في قريش, فهل نجد أثرا لهذا الحكم في واقع السنة ليحكم واقع الزيدية ما يقابله مما لديهم من نصوص؟

والواقع أن الزيدية وعلماءها متعايشون مع النظام الجمهوري منذ قيام الثورة التي فجرها ضباط ينتمي كثير منهم للمذهب الزيدي، بل ومن سلالة الهاشميين, أي البطنين، وهذا معناه أنهم تجاوزوا هذه النقطة.
وقد أفتى عدد من أكبر علماء الزيدية(1) عام 1990 بأن الحكم يكون بالقوي الأمين أي ليس حكرا على البطنين, والقسم المعروف والمنشور الذي أصدره إمام الزيدية العلامة مجد الدين المؤيدي(2)،

والذي أكد فيه أنه لا يمانع أن يحكم حتى حبشي بكتاب الله وسنة نبيه.
بل إن السيد حسين الحوثي كان قد صرح لصحيفة الشورى في يوليو/تموز 2004 قائلا "إنه لو خرج الإمام زيد بن علي من غير مجلس النواب المنتخب ما قبلنا به"، في إشارة واضحة إلى الإيمان والتسليم بدولة المؤسسات وأن الإمام أو الرئيس أو القائد يجب أن يأتي من البرلمان وبالانتخاب, وهذا يوضح بطلان تهمة الإمامة وأنها ليست السبب الحقيقي للحرب.

ولكن هذا لا ينفي وجود طموح سياسي لدى الحركة الحوثية، والمهم أن يكون في إطار الشرعية والقوانين والدستور والنظام الجمهوري القائم وعن طريق الانتخابات والبرلمان، وهم لا يحتاجون لتغيير اسمهم كي يمارسوا حقهم في الترشح والانتخاب مثل غيرهم من المواطنين.


بدأ الحوثي نشاطه في منطقة صعدة التي تقع على الحدود اليمنية السعودية، البالغ عدد سكانها حوالي 700 ألف نسمة أغلبهم ينتمون للمذهب الزيدي الذي يخاف عليه بعض أبنائه من أن يتعرض للطمس تراثا وفكرا، وتعاني المنطقة من سوء الخدمات وغياب البنية التحتية, ويعتمد سكانها على الزراعة وفيها أكبر سوق للسلاح ربما على مستوى الشرق الأوسط (سوق الطلح)، حتى إنه تباع فيها الأسلحة الثقيلة ما عدا الدبابات والطائرات, وذلك بعلم السلطة وموافقتها.

إن مؤسس الحركة الحوثية السيد حسين الحوثي كان نائبا في البرلمان عن حزب الحق بين العامين 1993 و1997، وهو نجل السيد بدر الدين الحوثي أحد كبار علماء المذهب الزيدي الذي عرف إلى جانب قيامه بالتدريس بحل الخلافات والصلح بين القبائل. وامتدادا لدور الأب -خاصة مع غياب السلطة- مارس الابن المؤسس وحركته هذا الدور وعلى نطاق واسع، فعملت الأخيرة على حل خلافات الناس في مناطق وجودها بالشرع والأعراف والمصالحات، كما قامت بتشغيل وإصلاح مولدات الكهرباء وتأمين الطرق إلى جانب عنايتها بالتدريس وإحياء المناسبات الدينية ومتابعة قضايا المعتقلين من أبنائها والتعويض عنهم.

وبقدر ما مثل هذا الدور سدا لفراغ نتج عن غياب الدولة في بعض الأماكن، أعطى للحركة دورا بديلا أو مزاحما لدور السلطة في مناطق نفوذ الحوثيين، خاصة أن سلطة الحركة تكرست على بعض المناطق بالاستناد إلى الأمرالواقع الذي فرضته نتائج الحرب. أضف إلى ذلك أن غياب وجود بنية تحتية ومشاريع تنموية في تلك المناطق جعل ساكنيها يرون في السلطة مجرد جابي ضرائب، وأن لا فرق بين غياب الدولة وحضورها، وهو ما انعكس إيجابا على شعبية الحوثيين وزاد من نفوذهم.

وهكذا فإن غياب السلطة وخدماتها وعدم حرصها على إثبات وجودها في تلك المناطق تسبب بتآكل وظائف الدولة وتخلي الناس عن التطلع إليها في أكثر من مكان لصالح الحركة الحوثية, ولن يكون من السهل في المستقبل منع الحركة من مزاحمة السلطة في الحكم المحلي والانتخابات والأوقاف والتعليم، حيث باتت الحركة قادرة على فرض نفسها في مقابل ضعف تواجد القطاعات الرسمية وتآكلها.

كما أن النظام الرسمي باليمن عموما يعاني من التحلل لصالح أطراف ومكونات أخرى, مراكز قوى أو قبيلة أو الحوثيين، ما يزيد من دور الفاعلين غير الرسميين، والحوثيون في صعدة في مقدمتهم بطبيعة الحال. مع العلم أن السلطة في الفترة الأخيرة تخلت عن بعض وظائفها طوعا لصالح الآخرين ونأت بنفسها عن معالجة المشاكل وحل الخلافات، بل إن تعنتها لست سنوات وإدخالها مفردات الصراع الإقليمي لليمن والإصرار على الحسم بالقوة وإخفاقها المتكرر في تحقيق ذلك أدى إلى تقليص دورها كسلطة وأطاح بهيبتها, وعزز من نفوذ وانتشار الحركة الحوثية، وشجع الحراك الجنوبي على رفع سقف مطالبه وتصعيد احتجاجاته.
لم يبدر من الحركة الحوثية حتى الآن أي نزوع للاستقلال أو اتجاه نحو إلغاء أي من مظاهر وجود الدولة شكلا -من علم أو نشيد- أو مضمونا مثل رفض وجود السلطة المحلية. ولم تنف الحركة خضوعها للدولة اليمنية، ويؤكد ذلك أنها لم تقم أثناء الحرب بالسيطرة على مركز المحافظة (صعدة) وهي قادرة على ذلك, ولم تستهدف مقرات الحكومة بمدينة صعدة
ولم يبدر من الحركة الحوثية حتى الآن أي نزوع للاستقلال أو اتجاه نحو إلغاء أي من مظاهر وجود الدولة شكلا -من علم أو نشيد- أو مضمونا مثل رفض وجود السلطة المحلية. ولم تنف الحركة خضوعها للدولة اليمنية، ويؤكد ذلك أنها لم تقم أثناء الحرب بالسيطرة على مركز المحافظة (صعدة) وهي قادرة على ذلك, ولم تستهدف مقرات الحكومة بمدينة صعدة. وإذا عدنا إلى طبيعة نشأة الحركة وتأسيسها فسنجد أنها اختزلت برنامجها بشعار تحدد فيه أنها ضد أميركا ومع فلسطين, لكنها في المقابل لم تطرح مشروعا أو برنامجا سياسيا ولم تقدم رؤية وطنية للقضايا التي تهم اليمنيين.

وفي الوقت الراهن، ولأن الحركة الحوثية تعد نفسها جزءا من الشعب اليمني ولديها نفس المطالب والقضايا، وقعت اتفاقات مع لجنة الحوار الوطني التي أنشأها اللقاء المشترك الذي يضم عدة أحزاب يسارية وقومية وإسلامية، ولا يعقل أن هذه الأحزاب ستوقع اتفاقا وطنيا مع حركة لديها نزوع نحو الاستقلال أو لا تعترف بالجمهورية والدولة. بل إن الحركة تضع نفسها بهذا الاتفاق في الموضع الجيوسياسي والظرف الإقليمي والدولي الذي لن يساعدها على النزوع نحو الاستقلال أو الطموح لممارسة أي دور إقليمي.

ولا ننسى أن محافظة صعدة جغرافيا تقع بين اليمن والسعودية حيث لا يمكن الوصول إليها إلا من خلالهما فقط, وتفتقر للبنى التحتية والخدمات والإمكانات ولا تطل على أي بحر, وتاريخيا لم تكن الا جزءا من الدولة اليمنية أو عاصمة لها, ولا يوجد لديها أهداف يمكن القول إنها تنبئ بالنزوع نحو الاستقلال عن سلطة الدولة أو السعي لامتلاك دور إقليمي، كما أنه ليس هناك ما يمكن أن تضيفه لامتلاك مثل هذا الدورعلى الأقل في الوقت الراهن.

لكن من المؤكد أن هناك تصنيفا لحركة الحوثيين في إطار التجاذبات بالمنطقة بين مشاريع الاعتدال والممانعة, ويمكن تصنيفها مؤيدا لقوى الممانعة، وهذا هو حدود الدور الذي يمكن أن تلعبه إقليميا.




كانت السلطة قادرة على تسوية الأزمة مع الحركة الحوثية إن أرادت ودون اللجوء للحرب التي استمرت ست سنوات, لكنها فضلت الحرب التي سيقت كل المبررات لشنها واستمرارها, ولإخفاء السبب الحقيقي لها, وهو ما ذكره رئيس الجمهورية عند اجتماعه بعلماء المذهب الزيدي في أغسطس/آب 2004، حيث قال "أنتم فتحتم ملف التوريث وأنا فتحت الحرب بصعدة".

وكانت صحيفة "الشورى" اليمنية  قد فتحت ملف توريث الحكم والوظيفة العامة باليمن, وهي قضيه حساسة عدّ الرئيس نقاشها رسالة من العدنانيين باليمن الذين كانوا يحكمون استنادا إلى الشرعية الدينية قبل الثورة, ويعدهم الرئيس الطرف الأخطر على مشروع توريث نجله أحمد، فالشرعية الدينية أقوى حجة من الشرعية القبلية والعسكرية ما دام أمر الجمهورية قد آل إلى التوريث, وقد نشر وكتب حول مسألة التوريث أكثر من مرة في عدة صحف ومقابلات ولم ينف الرئيس التوريث حينها رسميا.

واستمرت الحرب ست جولات بمبررات متجددة تتجاوز العقل والمصلحة الوطنية والمنطق دون الوقوف على هذا السبب الذي دخلت تحته عدة أهداف أخرى تخدمه بطريقة أو بأخرى.

في حين كان الحوثي يرى أن السلطة لن تختلف معه بسبب الشعار (الله أكبر, الموت لأمريكا, الموت لإسرائيل, النصر للإسلام) الذي برأيه يحمي اليمن من أي تدخل أو غزو خارجي ولا يكلف السلطة إحراجا سياسيا, لأنه لا يعدو كونه نشاطا شعبيا محليا. وبناء على هذه القناعة كان الحوثي الأكثر تفاجؤا من إعلان الحكومة الحرب ضده في يوليو/تموز 2004، وأظهر الحوثيون استماتة في مواجهة السلطة بسبب الظروف الصعبة للمنطقة التي لا تتوافر فيها أدنى الخدمات، والرفض الرسمي لكل الحلول، والإصرار على استضعافهم وانتهاج سياسة العقاب الجماعي ضدهم، فضلا عما كان يستشعره بعض أبناء المذهب الزيدي في تلك المنطقة من وجود جهود لطمس مذهبهم.

وبعد صمود الحوثيين في الحروب التي خاضوها والانتصارات التي حققوها ضد الجيش اليمني في أكثر من معركة، زادت شعبية الحوثي وتجاوزت محيطه، وصار محل أعجاب أبناء المنطقة التي تعاني الحرمان والظلم وغياب التنمية. ولم يفلح لجوء السلطة إلى وسائل العقاب الجماعية، كالفصل من الوظائف، وإغلاق المدارس، ومنع الخدمات الطبية والكهرباء عن عموم مديريات محافظة صعدة، في إضعاف الحركة أو الحد من شعبيتها، بل واجه الحوثيون ذلك  بسد الفراغ المعيشي والإنمائي الذي  تسببت به السلطة، ما جعل الحوثي وجماعته يحظون بشرعية شعبية ذات وظيفة منافسة للسلطة والدولة الغائبة.

وهكذا فإن الظروف المحيطة وطبيعة النشأة والدور الذي لعبه الحوثيون، وشخصية المؤسس حسين الحوثي، والأخطاء الرسمية في التعامل معه، واعتماد السلطة منهج القوة لحسم المعركة مع جماعته، وعدم القبول بأي خيارات أو حلول أخرى، ودخول السعودية في مواجهة مع هذه الجماعة، كل ذلك عزز من وجود الحوثيين فاعلا غير رسمي، وما كان يستطيع أن يكون كذلك دون كل تلك السياسات الرسمية الخاطئة.
توقف البعض كثيرا عند هذه النقطة وحدود الطموح السياسي للحوثية, وإذا عدنا لطبيعة نشأة الحوثية فسنجد أن شعارها ذو بعد يتجاوز حدود اليمن, لكنه من الناحية الواقعية لم يكن سوى شعار لا مضمون سياسيا له, وهذا بالطبع لا يعني أن الحركة الحوثية كفكرة لن تتحرك أو تلتقي مع غيرها من الأفكار على المستوى الوطني أو العربي والإسلامي, خاصة أن تعاليمها تتجاوز حدود الانغلاق المذهبي والطائفي، وقد تجد نفسها متفقة مع فكر أو توجه إسلامي آخر في محيطها, وقد يعدها طرف إقليمي ممهدة لتوجه أو تفكير أو تراث أو نظرة ما ويلتقي معها فتلعب دورا يتجاوز اليمن ضمن هذه الحدود, إنما المؤكد أن الحركة الحوثية لا تسعى للتوسع في محيطها الإقليمي بأي شكل.

ولكن من المؤكد أن الحركة الحوثية فاعل فرض نفسه، ومن الصعب تجاوزها في المستقبل على المستوى الوطني. ودور الحوثيين مرشح للتعاظم في اليمن وليس الانكماش، لأنهم من ناحية أحيوا تراث المذهب الزيدي، حتى إن الراحل حسين الحوثي المؤسس سيحسب من مجددي هذا الفكر, وبالتالي فهذا سيعود بمردود إيجابي على الحركة الحوثية في محيطها, كما أنهم وطنيا ليسوا على صدام مع مكونات الهوية للشخصية اليمنية ومنفتحون على كل القوى السياسية, وزوال التهم الموجهة إليهم سيعطي بقية الأطراف فرصة تعرّفهم بالحركة الحوثية عن كثب بعيدا عن الصورة المشوهة التي قدمتها السلطة عنهم, وهم في الوقت نفسه يحظون بإعجاب غير قليل في محيطهم المذهبي والقبلي، وهذا كله لصالحهم وسيمنحهم هامش حركة أوسع.


الحوثية ليس نبتا غريبا عن اليمن، وهي اليوم واقع ملموس ومؤثر، والتفكير بالحيلولة دون ازدهارها ينطوي على رفض الاعتراف بحقوقها الفكرية والشرعية التي يكفلها الدستور والقانون, وإن كان أتباعها أقلية فلهم الحق بحرية الفكر والمعتقد والتعبير وممارسته, ومنعهم من ذلك معناه العودة لمنطق الحرب
الحوثية ليس نبتا غريبا عن اليمن، وهي اليوم واقع ملموس ومؤثر، والتفكير بالحيلولة دون ازدهارها ينطوي على رفض الاعتراف بحقوقها الفكرية والشرعية التي يكفلها الدستور والقانون, وإن كان أتباعها أقلية فلهم الحق بحرية الفكر والمعتقد والتعبير وممارسته, ومنعهم من ذلك معناه العودة لمنطق الحرب.

وسياسيا ينطوي الواقع القائم على الكثير من التشابكات وتقاطعات المصالح، فهناك قوى معارضة مستفيدة من بقاء الأوضاع على ما هي عليه, وكانت بعض قيادات أكبر حزب يمني الذي هو الإصلاح مستفيدة من الحرب في صعدة بشكل أو بآخر، وحرضت على الحرب ولم تسع لإيجاد حل لها, وكانت تعتقد أن الحسم العسكري يصب في مصلحتها، وإن كانت مواقف الإصلاح في إطار اللقاء المشترك مختلفة إلى حد ما.

وهناك مراكز قوى بالسلطة لديها ارتباطات خارجية ومصالح خاصة مع المملكة العربية السعودية التى تسعى لأن تكون اللاعب الوحيد والأقوى باليمن، مستفيدة من خريطة علاقاتها مع القبائل ومع رجال السلطة ومع النظام عموما.

لهذا لا يمكن التفاؤل بالمستقبل كثيرا مع استمرار الوضع القائم، ويمكن أن ينمو دور الفاعلين غير الرسميين ويزداد فعالية أكثر من ذي قبل، بل قد يزيد عدد الفاعلين غير الرسميين، خاصة عندما تشهد الدولة تحللا ما، حيث لم يتبلور الشارع اليوم إلى شكل قوة تغييرية تريد أن تتجاوز أخطاء السلطة والرئيس وعائلته, وأن تحقق تغييرا جذريا في الواقع اليمني، وأن تعمل على صناعة واقع آخر تسوده العدالة والديمقراطية والمساواة والقانون، والمأمول من حركة الشارع والشباب اليوم أن يبنوا دولة مدنية تحقق آمال وطموحات اليمنيين, يذوب فيها الفاعلون غير الرسميين وتكون فيه الدولة هي الفاعل الوحيد.
_________________
صحفي مختص بالحركة الحوثية
*ملاحظة: الدراسة جزء من تقرير معمق يضم عدة دراسات وبعنوان "الفاعلون غير الرسميين في اليمن"، سيصدر قريبا عن مركز الجزيرة للدراسات.
هوامش:
1- الفتوى صدرت بتوقيع العلماء محمد محمد المنصور، حمود عباس المؤيد، أحمد محمد الشامي، قاسم محمد الكبسي.
2- مجد الدين المؤيدي (1905 - 2007) عالم دين يمني يعد من أبرز علماء الزيدية في القرن الأخي