السبت، 1 أكتوبر 2011

لو كان صوت فيروز يكفي .. أشياء يقولها حزني متأخراً كالعادة


وضاح المقطري




w-maktari@hotmail.com

* إلى عبد الكريم الخيواني: هم لا يستمعون لفيروز حتماً، ولو أنهم يفعلون ذلك فإن بهجتها لا تلامس قلوبهم.. لأنها لو فعلت فسوف تنتصر الحياة فيهم قليلاً.. ولكنهم لا يحبون.
هل يكفي أن أكتب عن فيروز مرة أخرى كي أشعر أني فعلت شيئاً يذكرك بها، ويزيدك إحساساً بقيمة الحياة وبهجتها التي نناضل من أجل أن نحتفظ بها مبتسمين وطيبين قدر الإمكان، أو كما تحاول أن تشعر بها أنت كمعنى للإحساس بالحرية لا أكثر.؟ وهل حقاً كنت أنا من ذكرك بها قبل عام إلا قليل؟ أم أنك في سجنك الذي أعادوك إليه الآن كنت تنتصر لنفسك بحريتك وذكرى صوتها الذي يعبر في بالي الآن كعزاء غير مجد على خسارات كثيرة كان آخرها ساعة خذلتني وأنت تخطو داخل قاعة المحكمة الكئيبة دون أن تلتفت إلى أني نهضت كي أصافحك، وربما أحتضنك، بعد أن أمضيت وغيري ساعة كاملة في انتظارك أمام المحكمة المنتصبة كمشنقة ساخطة على أحلامنا، واعتقدنا حينها أنك سبقتنا إلى الداخل لهفة على شهادة أعدائنا لنا ببراءة ندرك أيضاً أننا لسنا بحاجة لها طالما ونحن ندرك أنها فيك وفينا، وإن كنا فقط نطلب منهم أن يتركونا وشأننا لا أكثر.
خذلتني وأنا أحاول الاطمئنان من خوفي وهواجسي بك.. تركت كفي تمتد في الفراغ ليمسك بها عسكري ساخط بحدة وخشونة آمراً إياي بالجلوس، وأنت تمضي إلى صدر القاعة منتظراً حكمهم الذي حال بعده الجنود بيننا وإياك، ومنعونا بشجاعتهم المعتادة من الوصول إليك، ثم منعوا عنك الزيارة لعلمهم بحاجتنا لها أكثر منك في تلك الساعات الحزينة من ظهر الإثنين الشقي.
فيروز الآن تنتصر لذكرى لحظات لم أتماسك فيها قط، وأنت تشكرني لأني جعلتها على صفحات الثوري وفي مدى حلقتين إلهة البهجة المتوجة دائماً، قرأت أولاهما داخل السجن وثانيهما بعد خروجك، وقلت لي حينها: كم يشعر الواحد منا بحاجة لفيروز كي يشعر بمعنى الحياة في أحلك لحظاتها.. ولك الآن أن تتصور كيف لفيروز أن تكون الحقيقة الوحيدة التي هربت إليها مسترقاً لحظات في غفلة الذين كنت معهم كي أسمعها من هاتفي النقال أو حين ورود مكالمة إلى هاتف العزيز بشير السيد طوال ساعات كنا فيها وأحمد الحاج معاً نحاول الابتسام مكرهين.. وأصدقك القول على خجل.. لقد شاهد كل منا دموع الآخرين التي حاولنا إخفاءها بسذاجة لم نكن نجيد أكثر منها.
<<< 
[كان الحكم قاسياً].. هكذا قال الذين حاولوا تبرأة أنفسهم من خوفهم، ولم يقولوا أن الحكم كان محاولة كريهة للانتصار عليك، أو كأنهم لم يعرفوا أن ما حدث لم يكن أكثر من انتقام شرير يرتكبه الذين تسكن في قلوبهم كلماتنا قاسية كما طلقاتهم في ظهورنا العارية إلا من بساطة أحلامنا.. لم يشاهد أحدهم أن القاضي وهو يلقي علينا ما أملي عليه لم يكن شجاعاً قط، ولم يملك من الجرأة ما يمكنه من النظر في وجوهنا، فانحنى حينها مكباً على ورقته سارداً ما فيها حتى النهاية بارتباك وقلق ولغة مختلة الحروف وغير متماسكة، ولم يعرف أولئك أن حصاراً قاسياً أحاط بك عقب انتهاء الجلسة المعدة لسحق آمالنا البريئة كأنما يخافون أن يملك جسدك النحيل قدرة على تجاوز أسوار أمنهم المزعوم، وحواجز خوفهم المشرعة في كل مكان.
أتخيل الآن بدقة كل شيء، وسأفعل ذلك كي لا تضيع اللحظات التي نسرق فيها معنى لحياتنا وللقيم التي لابد أنك آمنت بها حتى أنهم آمنوا بأنك أكبر منهم، ولذا أعدوا لك سجنا ومحكمة وقضية. سأفعل ذلك بالتأكيد الآن وغدا. فكثيرون أبرياء يذهبون كل يوم إلى السجون، وكنت تعرف ذلك. بيد أن ذهابك إليه مختلف كثيراً، ؟. ذهبت إليه لأنك صحفي باحث عن الحقيقة التي لا تعني سوى أن تسمى الأشياء بمسمياتها فقط. فكشفت بذلك أن الحاكم الذي أودعك هناك، هو من دخل في مغامرة لم يحسب حسابها في صعدة، وهو من يدفع الآن ثمن أخطائه الثلاثين ويحاول الآن البراءة من خطيئته بالانتقام منك، وهو من قهر المواطنين الجنوبيين باحتلال كل شيء لهم من أراضيهم وحتى أسماء شوارعهم ومدارسهم وذاكرتهم، ويحاول الآن المضي في انتصاراته الزائفة أكثر، وكما أنت الآن محكوم بسجن على ذمة الحقيقة، ينتظر غيرك أحكاما جاهزة أيضاً في نفس المحكمة.
نعم فكل شيء يستحق أن نتخيله بدقة وأكثر كي نناضل من أجل أن يحيا كل ما في كيانك حراً أكثر يقظاً وعنيداً ومقاوماً، من أجل أن نعمل على حريتك دائماً.
سأتذكر إذا كفك التي أحسها الآن تربت على كتفي بحنان بالغ وشهي، سأتذكرها أكثر كي أعرف أيضاً أن شعورك الأبوي تجاه الآخرين كان يليق بي، وسأحزن كثيراً لأن آلاء التي استقبلتنا ظهر الاثنين عن باب بيتك بحاجة لذلك الحنان وتلك الأبوية أكثر مما تظن، وأن علينا إذا أن نعمل من أجل أن تعود كفك التي أحسد آلاء عليها إليها.
وسأتذكر أن المشاعر التي تكنها أعماقك تستحق أن يعمل الجميع من أجل أن يبقى صاحبها حراً، وأن تكون وارفة على الدوام. لا لشيء سوى أن كل شيء بهيج يستحق الحرية والحياة.


 النداء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق