الخميس، 29 سبتمبر 2011


ورقة عبدالكريم الخيواني المقدمة للمنتدى العربي الثالث لحرية الصحافة- بيروت
 
عنوان محور هذه الجلسة «أساليب حكومية غامضة تعوق صحافة عربية حرة»



يعفيني من بذل أية محاولة للإقناع بالواقع السيئ الذي تعيشه الصحافة الناقدة والحقوقالمدنية، أو مدى التضييق على حرية الصحافة، أوالقمع والانتهاك الممنهج ضد
  
الصحفيين وأصحاب الرأي والناشطين الحقوقيين في غالبية الدول العربية، وكون هذه
القناعة قاسماً مشتركاً فإنها لا تعني التسليم بهذه الأوضاع وإنما السعي الجاد
لتغييرها. ونقاشنا لواقعنا يأتي في هذا الاتجاه.
لم تأت حرية الصحافة صدفة في أي بلد وإنما نتيجة نضال وحراك ومطالبة وضغوط
وتضحيات حقيقية، عبرت عن تطور اجتماعي وسياسي وثقافي. وهذا التطور والحراك في
واقعنا يتصادم مع جمود النظام الرسمي العربي الذي قصارى أمنياته المحافظة على
واقعه الراهن كما هو عليه كسمة من سمات وخصائص المنهج الوظيفي الملتزم به، ولعل
ذلك ما يفسر حرصه على إفراغ أي عملية تطوير من مضمونها، والقبول بالتطوير
والتغيير شكلاً ليعزز من شرعية أو استمرار أو مصلحة هذا النظام أو ذاك دون أن
يؤدي إلى تغيير حقيقي في النتيجة.
هكذا أرادت (وتريد )الأنظمة الرسمية العربية: ديمقراطية لا تفضي إلى دولة
مؤسسات؛ وانتخابات؛ لا تفضي إلى تداول سلمي للسلطة؛ وحرية صحافة لا تنتقد
الفساد والأخطاء؛ ولا تحترم الحقيقة أو عقلية المتلقي، ومنظمات مجتمع مدني لا
تؤدي وظائفها الأصيلة وتدافع عن الحقوق ولا تدين الانتهاكات....الخ، أي تريدها
مجرد ديكور لا أكثر.
ومع الاعتراف بوجود استثناءات عربية محدودة؛ أود أن ألفت النظر إلى ما يلي:
 الوضع اللبناني المتميز بمناخاته المتنوعة وضع فريد عربياً، لكن التميز
اللبناني لم يمتد إلى ما حوله، والخشية أن يتأثر لبنان بمحيطه الرسمي العربي
فيتعرب كما هي الخشية على تجربة الكويت أيضاً.
إن عدم تسجيل حالات قمع عديدة في بعض الدول العربيه لا يعني ازدهار الحريات
والصحافة الناقدة فيها، بل يعني غياب الحراك الاجتماعي الواسع، وشدة القيود
المفروضة، كما أن التوسع الإعلامي الموجه (رسميا) في كل الاتجاهات ليس تميزاً
لدولة تضيق برأي مدون (فؤاد الفرحان، مثلا، الذي سجن بسبب آرائه في السعودية،
ومحمد الراجي الذي سجن في المغرب واطلق سراحه في ماراثون محاكمة ربما تكون
الاسرع في تاريخ القضاء المغربي).
الدول العربية التي تسهب كثيرا في الحديث عن الإصلاحات الشاملة والمناخات
الديمقراطية،والتعددية السياسية وحرية التعبير و.. و...الخ؛ هي أسوأ وضعا، ليس
لأن واقعها يتناقض مع كل ادعاءاتها فحسب بل لإصرارها على كسب المصداقية لدى
الآخرين بكذبها المكشوف، والمناورات الخفية (المفضوحة )، ناهيك عن غياب
التنمية، وسجلاتها السيئة الموثقة في ذاكرة الشعوب، فتقارير المنظمات الدولية،
تؤكد زيف دعاوى الديمقراطية و الإصلاحات.
على سبيل المثال لا الحصر: في تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" -باريس الصادر في
أكتوبر الماضي حصلت اليمن على المرتبة الـ155 متراجعة بأربع نقاط عن العام
الماضي وبعد الصومال بنقطتين، فيما جاءت مصر في المرتبة 146، وتونس 143،
والمغرب 122، والأردن 128، وكلها دول تدعي الإصلاحات والديمقراطية والحرية،
واحترام الحقوق، وماعدا الكويت ولبنان اللتان احتلتا المرتبة 61، و67 على
التوالي بينما تذيلت السعودية القائمة بالمرتبة 160 من بين 163 دولة.
عموماً الديمقراطية وحرية التعبير والحقوق المدنية والصحافة الناقدة عربياً؛
كلها هدف رسمي للقمع، والانتهاك، والتنكيل، والتضييق المستمر، وهذا الوضع
يتزايد سنويا بمعدلات مرتفعة وممارسات سافرة أفقدت الأنظمة التي تمارسها
الاحترام، وأكسبتها توبيخاً دوليا،ً بل وتأثرت مصالح اقتصادية وسياسية جراء
الإصرار على ممارسة القمع وسيادة الاستبداد، إذ يكتشف العالم يوميا أن
الإصلاحات التي أطلقتها كثير من الأنظمة الرسمية العربية ليست إلا شعاراً
ومحاولة للاحتيال من اجل الحصول على مساعدات أو قروض أو لتحسين صورة هذا الحاكم
أو النظام خارجياً، وليس أمام شعبه الذي يقاسي ألم الفساد والاستبداد.
ورغم أن محاولات الاحتيال فشلت والصورة لم تتحسن، لكن ذلك لم يمنع النظام
الرسمي هذا أو ذاك من التصميم على سياسة القمع والانتهاك بمناورات وتكتيكات لا
تحتاج إلى فائض ذكاء لاكتشافها سواءً على المستوى المحلي والإقليمي أو على
المستوى الدولي أيضا، وفي هذا السياق أورد ما أشار إليه تقرير مؤسسة بروكينغ في
اكتوبر 2007م الذي قال: "نشأ في السنوات الاخيرة نموذج جديد من الحكم
الاستبدادي في عدد من الدول العربية الرئيسية وهو نتاج التجارب والأخطاء أكثر
مما هو مخطط مقصود، فقد تكيفت الانظمة العربية مع الضغوط لتحقيق التغير السياسي
من خلال تطوير استراتيجيات لاحتواء وإدارة المطالبات بنشر الديمقراطية".
ولابد من الإشارة هنا إلى أن الوسائل التي تم استحداثها تستخدم مع من لم تجد
معهم الوسائل التقليدية وعرفوا بتعرضهم للقمع على ذمة الرأي وحرية التعبير.
لاحظوا معي أن معظم قضايا الصحفيين الذين اتهمو بالإرهاب أو التخابر أو الإساءة
لسمعة البلاد سبق اتهامهم بتهم تتعلق بالنشر (سب وقذف وتشهير أو إهانة أصحاب
الفخامة)، بل وصدرت بحقهم، أحكام قاسية كانت محل استنكار، واسع محليا ودوليا.
وفي المرات التالية تحولت التهم إلى: التخابر، الإساءة لسمعة البلد، الإرهاب،
أو تهم جنائية كوسائل تكتيكية بحيث لا يبدو النظام منتهكا للحرية وبما يتلاءم
مع شروط المانحين، والنظام الذي يقوم بهذا التكتيك (المفضوح) يعتقد ببساطة انه
جرد الصحفي الخصم من كل وسائل الدفاع، وجرده حتى من شرف التهمة، دون الانتباه
الى أن الحيل الرسميه لم تعد تنطلي على احد كما يوضح ييان لجنة حماية الصحفيين
بنيويورك (ان بعض الحكومات العربية ومنها اليمن صارت محترفه بتشويش الحقائق
والمناداة بإصلاحات شكلية لوسائل الإعلام مصممة للاستهلاك العام ) وبالرغم من
الحالات التي يمكن الاستشهاد بها في دول عربيه عديدة إلا أن التركيز سيكون على
اليمن هنا ليس انحيازا لها بل للتعريف بالمشهد اليمني الذي هو في خلاصته مشهد
متكرر ومألوف عربياً، فالنماذج السيئة تتناسخ وتتشابه في تفاصيلها حتى انني
أثناء متابعتي لبعض التفاصيل عربيا وأنا أعد هذه الورقة قلت: يخلق من الشبه
عشرين!!
تكتيكات ومناورات
إزاء الاحتجاجات الواسعة ضد قمع الحريات وسجن الصحفيين والاختطاف التي تطال
مراسلي الوكالات والقنوات الفضائية، وحالة التضامن في الوسط الصحفي اليمني،
ونتيجة لما يحظى به الصحفي المستهدف بالقمع والتنكيل من تضامن كبير مقابل
ازدراء واستنكار ممارسات النظام السياسي، مما يلحق الضرر بسمعة النظام أو
الحاكم العربي، وقد يؤدي إلى خسارة مساعدات وقروض من المانحين كما حدث مع اليمن
مثلاً عام 2004م في قضية الحكم ضدي بالسجن لمدة عام بتهمة إهانة الرئيس..
ونتيجة للضغوط الدولية للقيام بإصلاحات شاملة ووقف حملاتها القمعية لحرية
الصحافة؛ لجأت السلطة إلى وسائل تكتيكية ومناورات، تمكنها من التنكيل بالصحفي
وصاحب الرأى، كيفما تشاء ودون أن يكلفها سمعتها أو خسارة سمعة أو معونة أو
دعم.. هاكم بعضها:
الإرهاب
بلغ الأمر حد استغلال الحرب العالمية ضد الإرهاب وأجوائها المرعبة ضمن تكتيكات
السلطة ضد الصحافة الناقدة وحرية التعبير، مستعدية الدول المتقدمة على صحفي
انتقد ممارساتها وكشف سوأتها فقط، فقامت بتوجيه تهمة الانقلاب على النظام ثم
الإرهاب معفية نفسها من أي حرج أخلاقي أو أدبي مترتب على مداهمة قوات مكافحة
الإرهاب منزل الصحفي وترويع أطفاله وانتهاك حرمة منزله.
ورغم رفض تهمة الإرهاب من قبل المجتمع المدني محليا وإقليميا ودوليا وإصرار
الجميع على أن المتهم بالإرهاب هنا هو صحفي ومدافع عن حقوق الإنسان؛ فإن ذلك لم
يمنع السلطة من الاستمرار في إقامة محاكمة طويلة انتهت بالحكم بالسجن 6سنوات،
استنادا إلى أدلة "مادية"أدوات عمل صحفي عبارة عن مجموعة أسطوانات ( CDs )
تحتوي صورا ومشاهد للحرب (حرب صعدة) والمآسي الإنسانية التي خلفتها، طوال أربع
سنوات إضافة إلى فقرة مكتوبة من مقال لم ينشر بعد عن "توزيع الموت بدلا عن
التنمية"، و تسجيل صوتي لمكالمة تلفونية مع زميل صحفي عن وقف الحرب.
وعندما يأتي الإفراج عن الصحفي من السجن بعفو رئاسي، فإنه لا يعني الإنصاف أو
انتهاء الرغبة في الانتقام، حيث السجن والإفراج مرتبطان بمدى الغضب أو الكراهية
في قمة النظام.
أنا أتحدث هنا عن حالة محدده في اليمن، ولكن الحالة ذاتها قد نجدها في المغرب،
مثلا، حيث يحاكم صحفي بتهمة الانتماء لخلية إرهابية، وحبس آخر لمدة ستة أشهر
وهو الزميل مصطفى حرمة الله من أسبوعية الوطن الآن لأنه حصل على وثيقة قيل إنها
سرية ونشرها وفقا لمقتضى عمله كصحفي، ولأنه رفض الافصاح عن مصدر الوثيقة.
المحاكمة أمام محاكم أمن دولة
بالرغم من أن القضاء غير مستقل، إلا أنه وإمعانا في إرهاب الصحفيين والمناورات
الخفية، يتم محاكمة الصحفيين أمام محاكم أمن الدولة، فبالإضافة إلى قضيتي يجري
محاكمة الزملاء نائف حسان ونبيل سبيع، ومحمودطه، على العدد الأول من صحيفة
الشارع الذي صدر في يوليو 2007، والذي تضمن ملفا عن حرب صعدة، وذات المحكمة
كانت أصدرت حكما بالسجن سته أشهر مع وقف التنفيذ على الصحفي محمد المقالح، بعد
أن قضى شهرين سجيناً لمجرد أنه ضحك في جلسة المحاكمة.
تحويل القضايا إلى جنائية
تحويل قضية الرأي إلى قضية جنائية بدأت في اليمن عام 94م مع النائب البرلماني
سلطان السامعي ناشر ورئيس تحرير صحفية «الحدث» آنذاك، قبل أن يعود ليتكرر الأمر
مع النائب أحمد سيف حاشد ناشر صحيفة «المستقلة»، ثم مع ناشر صحيفة «الأيام»
اليومية هشام باشراحيل، واللافت انه حسب تصاعد أنشطة النائب أو الناشر في
التعبير عن رأيه تتحرك ضده القضية الجنائية عبر "عصبة أولياء الدم" وهم الطرف
الآخر الذين لهم قضايا جنائية أو مدنية سابقة وشائكة وفي الغالب تم حلها، ولأن
التجارب العربية تتناسخ فليس مفاجئاً أن تكتشف أن قضية الناشط الحقوقي محمد
المسقطي في البحرين صارت جنائية، وهكذا يجد الصحفي نفسه مقحماً في تهم تبرر
ضربه وخطفه، والاعتداء عليه، بغرض إسقاطه معنوياً في نظر الناس.
التحريض والتشهير وقذف الأعراض
لم يخل الخطاب الرسمي السياسي اليمني من لغة التحريض ضد الصحافة والصحفيين خاصة
في المعسكرات وعلى لسان رئيس الجمهورية و كبار المسؤولين، وتكال التهم حد
التخوين، فيما تقوم صحف صفراء ممولة من المال العام بتكرار ذلك ناهيك عن قيامها
بالتشهير وقذف الأعراض الذي طال زميلات صحفيات وناشطات حقوقيات وصحفيين، غالبا
ليسوا ممن في طرف السلطة، وعند اللجوء للقضاء فإنه لا يحرك تلك القضايا، ويدير
هذه الصحف الصفراء في الأغلب أشخاص لا ينتمون للأسرة الصحفية، والحالات عديدة
ومستمرة، وبالإضافة لذلك فهي تهدف إلى التشويش على القارئ كي يفقد ثقته
بالصحفيين الملتزمين للمهنة والصحافة الحرة.
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق