صنعاء - محمد الأسعدي
التقت «الجريدة» الصحافي اليمني الحائز جائزة «منظمة العفو الدولية» للصحافيين المعرضين للخطر، عبد الكريم الخيواني، بعيد خروجه من السجن بعفو رئاسي، إذ قضى 105 أيام، بسبب تهمة الإرهاب.
يصافحك بحرارة كأنه عاد من رحلة طويلة. يتحدث معك عن رحلته تلك بصوت تتخلله لحظات صمت تكاد تلامس قسوتها بيديك. الصحافي اليمني عبد الكريم الخيواني (43 عاما) يمكنه أن يشرح تفاصيل معاناته اليومية في رحلته الثالثة الى السجن المركزي في العاصمة صنعاء بالتفصيل.
أدين في آخر محاكمة له بـ«الإرهاب»، واتهمته محكمة أمن الدولة اليمنية بأنه يعمل لمصلحة مع ما أسمته «خلية صنعاء الإرهابية الثانية». حكم عليه بالسجن ست سنوات في التاسع من يونيو الماضي، قضى منها 105 أيام قبل أن يأتي عفو رئاسي بإيقاف الحكم الصادر ضده أواخر سبتمبر الماضي.
محامو الخيواني، أكدوا أن الادعاء فشل تماما في تأسيس أي علاقة مباشرة ما بين الصحافي اليمني وجماعة الحوثي المسلحة التي اتهم بالعمل لمصلحتها، خصوصاً أن حيازته لصور عن المعارك في محافظة صعدة المضطربة تأتي في صميم عمله الصحافي. ويعتبر محاموه ان الحكم الصادر ضده «حكم سياسي بامتياز»، حسب قولهم.
قضى الخيواني ايامه في السجن بين 50 «نزيلاً» بينهم مجرمون ومتهمون بقضايا أمنية وإرهابية. ينتظر كل ليلة الصباح ليتعلق بنافذة الزنزانة كي يستنشق «الهواء النقي»، ثم ينتظر ما أسماه «موعد مع الضجيج»، وهو موعد زيارة ذوي السجناء، متمنيا ان يأتي أحدهم لزيارته.
يتلذذ الخيواني بقراءة الصحف ليلاً بعد تهريبها وإخفائها عن أعين الحراس، الذين يمنعونه من الكتابة والقراءة... لأنه صحافي.
يقول الخيواني في حديث خاص أجرته «الجريدة» معه في منزله عقب طلاق سراحه: «صحيح أنني خرجت من السجن ولكن السجن بات يسكنني. خصوصاً ان النظام استطاع أن يحول قضيتي من حرية تعبير إلى إرهاب، وهي الكذبة التي لم يصدقها أحد».
لأنه كان نزيلاً في السجن من قبل، تعرف الخيواني على عدد من السجناء في عام 2004، فكان عليه أن يلتقي بهم مجددا. وعن تجربته تلك، يقول: «تعلمت في السجن أنه لا قيمة للإنسان اليمني، وعن غياب العدالة، خصوصاً أن أناسا يموتون من دون أن يسأل عنهم أحد».
أطفال الخيواني الخمسة وأمهم اعتادوا الفجائع المتلاحقة باعتقاله تارة من غرفة نومه وتارة باختطافه من الشارع وأخرى بتهديده بالتصفية الجسدية. سئمت هذه الأسرة تضامن الزملاء وتطميناتهم بخروجه من السجن خصوصاً في الفترة الأخيرة، حتى أنهم لم يصدقوا لحظة وصوله إلى المنزل بصحبة زملائه المحتفين بإطلاق سراحه.
جائزة دولية
ينتظر الخيواني وزملاؤه وصول رئيس «اتحاد الصحافيين الدوليين» جيم بوملحة، لتسليمه جائزة «منظمة العفو الدولية» للصحافيين المعرضين للخطر، والتي تسلمها بالنيابة عنه في يونيو الماضي في حفل أقيم بهذه المناسبة في لندن. وكانت السلطات اليمنية رفضت منح بوملحة تأشيرة دخول لتسليم الخيواني الجائزة الدولية وهو في السجن.
وبينما يعتبره الكثير من الصحافيين والحقوقيين اليمنيين «بطل الصحافة اليمنية»، يقول الخيواني إن البطل الحقيقي هو الصحافة اليمنية، وأن «الجائزة تكريم من الخارج للصحافة اليمنية التي تقمع في الوطن ودليل عملي على الدور الهام الذي يلعبه الصحافيون عموماً».
وكان الخيواني قد أرسل رسالة شكر من السجن لمنظمي مهرجان التكريم، حصلت «الجريدة» على نسخة منها قال فيها: «لقد ازدادت أوضاع حرية الصحافة في اليمن سوءاً مؤخراً جراء إصرار السلطات على عزل الرأي العام المحلي والخارجي عن أزمات خطيرة كالحرب التي اندلعت قبل 4 سنوات في صعدة (شمال اليمن) وما ينجم عنها من أوضاع إنسانية مأساوية، والاحتجاجات السلمية للمواطنين في المحافظات الجنوبية والشرقية ضد الإقصاء والحرمان من الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية».
شغل الخيواني منصب رئيس تحرير صحيفة «الشورى» الأسبوعية وموقع «الشورى نت» الإلكتروني الأخباري. اشتهر بكتاباته الصحافية الجريئة في نقد النظام الحاكم في اليمن وسياساته. وكان من أبرز ما نشره هو ملف «توريث الحكم والمناصب الوظيفية في الدولة» والذي بسببه أدين بالإساءة لشخص الرئيس وحكم عليه بالسجن سنة، قضى منها سبعة أشهر. وأفرج عنه عام 2005 بعفو رئاسي.
يعزو كثير من زملاء الخيواني ما يحدث له من «تنكيل» الى غضب الرئيس علي عبدالله صالح عليه، وفي هذا الخصوص قال الخيواني: «أنا لا أكره الرئيس ولا أقبل الإساءة إليه، والذي بيني وبينه هو ما بين مواطن وحاكم فحسب».
عاطل عن العمل
الخيواني لايجيد سوى الكتابة، وهي كفيلة بأن تعيده إلى السجن مجددا كما فعلت به من قبل. لكنه ينتظر بحذر ما قد تسفر عنه الأيام القادمة، وعما إذا كان بإمكانه السفر إلى الخارج لغرض الدراسة والدراسة لاغير... الا انه منع من السفر إلى خارج البلاد، وتعرض لتهديدات عدة بالتصفية الجسدية من قبل عناصر مجهولة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق